الفعاليات الرياضية..اعتبارات وابعاد سياسية واقتصادية دولية
ساد الوعي منذ وقت طويل ومبكر بأن تنظيم المنافسات الرياضية الدولية لم يعد كما كان قديما مجرد مناسبة للتسلية ، بل إن المنافسات الرياضية الأضيق نطاقا ،لا الدولية وحدها ، أصبحت تتداخل مع اعتبارات تتجاوز الرياضة لتكتسب أبعادا سياسية واقتصادية وثقافية متنوعة .
تعتبر الألعاب الرياضية من أهم الأنشطة الاجتماعية المؤثرة فى المجتمعات السياسية وفى العلاقات الدولية وتنبع تلك الأهمية من طبيعة الألعاب الرياضية ذاتها كظاهرة اجتماعية تتسم باتساع قاعدتها الجماهيرية، وبإمكانية متابعتها دون الحاجة إلى قدر كبير من التعمق، وبتضمنها قدرا كبيرا من المنافسة مما يشبع لدى الجمهور النزعة البشرية نحو الصراع والانتصار.
ومن الثابت أن ربع القرن الأخير قد شهد تزايدا ملحوظا فى أهمية الألعاب الرياضية وفى طبيعة الدور الذى تلعبه كعامل مؤثر فى العلاقات الدولية ويرجع هذا التزايد إلى تفاعل عاملين أولهما تطور تكنولوجيا الاتصال الدولى، مما أتاح للجمهور فرصة متابعة الأنشطة الرياضية فى مختلف أنحاء العالم فى الوقت ذاته، وثانيهما تطور ورسوخ التنظيمات الدولية العاملة فى ميدان الألعاب الرياضية، ونجاح تلك التنظيمات فى وضع قواعد محددة لممارسة تلك الألعاب تطبق فى كل دول العالم، مما أدى إلى بروز ظاهرة ـ وحدة الأنشطة الرياضية عبر الحدود السياسية الدولية كان من المتصور أن يؤدى تعاظم أهمية الألعاب الرياضية إلى اتسام العلاقات الدولية بطابع أكثر تعاونية، وأقل صراعية فالمفهوم الأصلى للألعاب الرياضية كما حدده دى كوبرتان، مؤسس الحركة الأولمبية الدولية، هو أنها أداة لتحقيق السلام الدولى من خلال التعارف بين الشعوب ولكن تعاظم أهمية الألعاب الرياضية صحبه فى أن واحد تحول فى وظيفتها بحيث أصبحت الألعاب الرياضية ظاهرة مؤثرة فى النظام السياسى الدولى، وتحولت لتصبح ساحة من ساحات الصراع الدولى، وأداة من أدوات تنفيذ وتأكيد السياسة الخارجية، حتى اعترف اللورد كيلانين رئيس اللجنة الأولمبية الدولية السابق، بأن التداخل بين السياسة والألعاب الرياضية أمر حتمى.
وتنطلق هذه الدراسة من مقولة أن الألعاب الرياضية قد أصبحت أداة تستخدمها الدول لتحقيق أهدافها، كما أنها أصبحت انعكاسا لطبيعة العلاقات الدولية الصراعية أكثر منها عاملا مؤثرا فى تهدئة التوتر الدولى، محاولة استكشاف العوامل التى أدت إلى هذا التحول فى وظيفة الألعاب الرياضية، والأساليب التى يمكن من خلالها استعادة الوظيفة الأصلية للألعاب الرياضية
تلك كانت التفاتة مباشرة للدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه الرياضة في العلاقات الدولية، ولكن قبل هذه (اللقطة) لم يكن غائبا عن الأذهان مدى وحجم الدور الذي يمكن أن تلعبه دورات المونديال الدولية والألومبيات في العلاقات العامة للترويج للدول، سواء باستضافتها لهذه المناسبات، حيث تصبح الدولة المضيفة في بؤرة الاهتمام العالمي فتتصدر الأخبار العالمية على مدار الساعة طيلة أيام ما قبل وأثناء وبعد الحدث العالمي والذي يمتد لأشهر عدة، ومن هذه الزاوية فإن الفائدة التي تجنيها الدولة المضيفة على مستوى العلاقات العامة لا تقدر بثمن، ولذا تنتهز الدول المضيفة هذه المناسبة لتقديم نفسها وتصرف بسخاء لتكون صورتها في أبها شكل، ولكن المردود دائما يفوق ما تصرفه أضعافا مضاعفة إلا أن هناك جوانب وفوائد لا تقل أهمية ، وهي تلك التي تتمثل في الترويج السياحي للدولة المضيفة حيث يتدفق الملايين من عشاق الرياضة إلى البلد المضيف للمناسبة الدولية، وبالطبع فإن أغلب هؤلاء يأتون من الدول الغنية التي تتمتع بمستوى من الرفاهية، ويتمتع مواطنوها بمستوى دخول مرتفعة تتيح لهم التمتع برحلات سياحية سنوية للترفيه والترويح عن أنفسهم، ويمثل حضور مثل هذه المناسبات فرصة سانحة لضرب أكثر من عصفور سياحي، حيث يكتشفون من ناحية أماكن سياحية جديدة، وحضور فعاليات حدث عالمي كبير من ناحية أخرى، وفي هذا من الإثارة ما يغري..
إذن فإن الدول التي ترفع ملف استضافتها لأي من هذين الحدثين العالميين ينبغي أن تضع في اعتبارها هذه الأشياء، إذ لا يكفي أن تقول بأنها تملك من الإمكانيات ما يؤهلها لتجهيز ملاعب على أرفع مستوى لأن هدف الزائر لا يقتصر على مجرد مشاهدة المباريات التي يمكنه أن يتابعها من القنوات الناقلة لها في بلدة، بل يجب أن تضع أولا في اعتبارها ما الذي يمكنها أن تقدمه له من المناشط السياحية ووسائل الترفيه ؟.
اعتمدت قطر “الرياضة” كبعد أساسي لاستراتيجية بناء الصورة الذهنية التي تتبناها كواحدة من استراتيجيات سياستها الخارجية للتعريف بها ولتعزيز مكانتها في المحافل الدولية. فكانت القيادة السياسية في الدولة المسيّر الرئيس لإدارة الرياضة وهي التي تحدد توجهاتها العريضة لاسيما ما يتعلق بالترشح للمنافسات الرياضية الدولية.
لقد استثمرت دولة قطر في الدبلوماسية الرياضية من خلال رعايتها المنافسات والأندية الرياضية المحلية والدولية، إيمانًا منها بأن الاستثمارات الرياضية تلبي حاجات عقلانية بعيدة المدى: كالحاجة إلى التنويع الاقتصادي. كما سعت الاستثمارات القطرية في المجال الرياضي إلى تحقيق بعض الأهداف التي تتعلق بالمجتمع القطري أيضًا، لا سيما إبراز دور النساء في مجتمع محافظ وتنمية سياسة الصحة العامة في واحد من المجتمعات التي تسودها الوفرة من جهة أخرى.
لقد كان أحد أكبر النجاحات التي أحرزتها الدبلوماسية الرياضية القطرية هو الفوز باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022؛ فهذه البطولة العالمية هي أكثر الأحداث الرياضية جذبًا لاهتمام الإعلام في العالم، حيث تعتبر كرة القدم أكثر الألعاب شعبية في العالم.
إن استثمارات قطر في الرياضة كانت بحق بالغة الفائدة على مستوى السُمعة وستكون أيضًا، على المدى الطويل، عظيمة المردودية على المستوى الاقتصادي للدولة.