2024-11-27

كاظم لداوية عبق من سحر الكرة المقدسية

2021-01-22

كتب – فايز نصار

عندما التقيت الثعلب موسى الطوباسي, وسألته عن مثله الأعلى في الملاعب ، ردّ دون تردد : إنه النجم كاظم لداوية ، الذي برز في صفوف سلوان والموظفين والهلال مطلع السبعينات.

ورغم معرفتي السابقة بالكابتن كاظم،إلا أنّ كلام أبي فايز الكبير دفعني لمزيد من التقصي حول هذا الشاب المقدسي المحبوب،الذي فرض نفسه نجماً لا يشق له غبار،وترك بصمة مؤثرة في جنبات المطران،رغم قصر عمره في الملاعب.

ويُحسب أبو خليل على الجيل المقدسي الذهبي،الذي عاصر النهوض الكروي في العاصمة بعد عدوان 67، وعاش أيام الديربيات البيضاء بين سلوان والجمعية،حيث نشأ في عتبات الجمعية،قبل أن يأخذه ملهم سلوان الراحل أحمد عديله للعب مع أصحاب الزيّ المفدى.

وعاصر الكاظم كثيراً من النجوم الفلسطينيين،الذين صنعوا المجد الكروي في السبعيات،وكان من طلائع لاعبي الهلال المقدسي،قبل أن يعلق حذاء اللعب مبكرا،لأسباب فضل عدم الخوض في تفاصيلها.

لم يكن صعباً التواصل مع لداوية ولكنه اشترط ان يكون له أسلوبه الخاص في الاجابة على أسئلتي، فوجدت بين ثنايا الرجل بقايا نجم كبير،وملامح إعلامي عرف كيف يستعرض زبدة ذكرياته.

– اسمي كاظم خليل موسى اللداوية “أبو خليل “,,جئت لهذه الدنيا في الأول من حزيران عام 1955 بجوار الأقصى في القدس العتيقة،ولم أحظ باللعب في حواري البلدة،بل مع أصحابي في ساحات المسجد الأقصى،حيث كنا نداعب الحراس،ونهرب منهم ما بين تسلق الشجر وسور القدس العظيم، فكانت تلك أول فرصة لنا في بناء الجسد، واللياقة والمراوغة.

 – وفجأة ذهبت لمشاهدة مباراة في ملعب المطران لفريق الجمعية، فشدتني اللعبة والجمهور،وهمت عشقاً باللاعب الرشيق،الذي لاحقته عيناي حتى عندما تكون الكرة بعيدة عنه،إنه الثعلب موسى الطوباسي,الذي أوقد شرارة الكرة الأولى في نفسي.

– بعد ذلك انتسبت لجمعية الشبان المسيحية,ضمن البرامج الصيفية الترفيهية,وهناك قرر الحكم والإداري المبدع عبد الله الخطيب تأسيس فريق للأشبال,بدعم وموافقة رجل الرياضة الأول في القدس,وربما فلسطين المربي القدير ريمون زبانة, وتم تكليفي بمهمة كابتن الفريق  لمدة سنتين توقفت بعدها عن اللعب.

– بعدها جَاءَنِي الإداري المرحوم  أحمد عديلة,وأقنعني بالانضمام للفريق الأول بنادي سلوان,والمدهش أنني شاركت من أول مباراة إلى جانب المهندس عارف عوفي،في آخرمباراة له مع سلوان،فكانت الفرصة مناسبة لمشاهدته،ومراقبة تحركاته أكثر من متابعة اللعب،وسط ذهول كبير راودني وأنا أسأل نفسي:هل أنا في حلم أم حقيقة,,أحقاً أنني بجانب المهندس عارف عوفي ؟!

– ومع الأيام طال أمد الانتماء لنادي سلوان العريق، قبل أن يقرر ثلة من نجوم القدس إضافة فريق من الدرجة الأولى لنادي هلال القدس،الذي كان كيانه قائما دون فريق درجة أولى،فحظيت بشرف المشاركة معه، …وبين التنقل من سلوان الى الهلال لعبت عدة مباريات مع فريق الموظفين، بأمر من مدرسي في المعهد العربي،الأستاذ الذي ضحى بعمره لرفع شأن الرياضة،المرحوم بإذن الله يعقوب الأنصاري.

– الحقيقة أنني – وللأسف – لم أتتلمذ أو أتدرب على يد مدرب معين، وذلك لقصر المدة التي انخرطت بها في اللعب،ولكن كان هناك حوافز وتشجيع وسبب في تواجدي في الملعب،من احتضان زملاء وأحبة فرضوا عليّ حبهم وحب اللعب،وأكثرهم تأثيراً كان المرحوم بإذن الله شيخ اللاعبين  ماجد ابو خالد،والسهم المنطلق عز الدين الهيموني.

 – واكتمل حلمي الكروي باللعب إلى جانب نجم النجوم،وأيقونة الكرة الفلسطينية الثعلب موسى الطوباسي،ولَم أشكل معه ثنائياً،وإنما كنت ربعاً، وهو واحد وثلاثة أرباع ، وكنت وما زلت فخوراً بهذا الربع بجانبه.

– لن أتحدث عن نجوم في مستوى منتخب وطني،ولكن طالما شكلت في مخيلتي فريقاً افتراضيا،ليمثل فلسطين نهاية السبعينيات،وكان كالآتي :

في الحراسة : خليل بطاح،وعماد عكة،وفي الدفاع ابو السباع،وزكريا مهدي ، ويوسف البجالي ، وعلي العباسي ، وأمامهم إبراهيم نجم،وفي الوسط والهجوم عارف عوفي،والمرحوم ماجد ابو خالد،وعمر موسى ، وموسى الطوباسي،وناجي عجور، وحاتم صلاح.

– الحمد لله تشرفت باللعب في إلى جانب نجوم كبار من أمثال المرحوم أبو خالد ، والطوباسي،ونجم،وعلي العباسي، ومحمد طالب،وعرفات حميد، ومصطفى القدسي،ومحمود محي الدين، ومعن القطب، وعايش الكركي ، وموسى اسماعيل,,وغيرهم.​

– لا أذكر لي أيّ إنجازات سوى الاحترام والتقدير،الذي ألمسه وأصادفه في كلمات جمهور الزمن الجميل  ، بما يثلج صدري وأكتفي به.

– ذكريات الإعلام الرياضي أيامنا تشير إلى أنّ أفضل محلل رياضي وباحتراف كبير،القدير سامي مكاوي،وأنّ الفضل في فتح الزاوية الرياضية في الصحف يعود للأستاذ واصف ضاهر، والراحل طوني عبود.

– حصلت على جوائز كثيرة  في كرة القدم ، وكرة اليد ، وكرة السلة ، وفِي النهاية لم اعتزل ، بل اعتذرت عن الاستمرار والتواجد في الملاعب ، وكنت ما زلت في الرابعة والعشرين من عمري ، وذلك لأسباب أخجل أن أذكرها الآن .

– للأسف لا أتابع الرياضة في هذا الزمان،ولا أعرف شيئا عن الاحتراف سوى ان الجميع مستاء من آليته،وآثاره السلبية على الرياضة والرياضيين والأندية.

– لم أشاهد في الملاعب أفضل من ليونيل مسي، إنه أسطورة يخطف القلب بتحركاته ، سواء بأهدافه أو تمريراته الموسيقية، وبالنسبة لي أفضل لاعب في فلسطين موسى الطوباسي، وأفضل لاعب عربي محمد أبو تريكه .

– مثلي الأعلى يرتقي لصناع النجوم، أحمد عديله الله يرحمه، وريمون زبانه ، وَعَبَد الله الخطيب.

– أكثر ما أذكره من الأحداث المهمة أيامنا  عندما يأتي فريق من غزة ، أو من الجنوب مثل الخليل وبيت ساحور وبيت جالا،كان كالمهرجان والجميع بانتظاره ، لما كان لهذه الفرق من قدرات وجاذبية، ومهارات تستحق المشاهدة والاحتفال.

– من أطرف ما حصل معي في الملاعب يوم  انفردت بصديقي حارس  العربي بيت صفافا عبد خليل ، فإذا به يشير بيده الى ذقنه وهو يداعبني ويقول : أخوك يا ابو خليل .. نحن  أصحاب وحبايب .. فضحكنا سويا .. لكن الكرة كانت قد وصلت الشباك.

– ومن الطرائف أيضاً يوم انفردت بالصديق عماد عكة ، وهو حارس سلوان ، وأحرزت هدفاً .. وبينما  كنت أتقبل التهاني من الزملاء ، راح الطوباسي يهتف بأن الهدف كما رَآه في منامه تماماً ، فأقسم له عماد عكه بأنه لامس الكره بيده قبل دخول المرمى ، وكاد أن يصدها ، فقلت له  :أنا سددتها قريبة منك ، لأمنحك فرصة صدها ، لكنها خانتك وعانقت الشباك … مثل هذه الأحاديث كانت تجري في الملعب رغم المنافسة ، وذلك بالنظر للحب والاحترام  بين لاعبي مختلف الفرق.