الاحتراف.. ما له ..وما عليه..
كثيرون من أبناء هذا الوطن العظيم ، الذين امتطوا صهوة الرياضة يتداولون مفهوم الاحتراف ويتغنون به ، رغم ان السواد الأعظم منهم لا زال يحبو في فهم أبجديات الاحتراف ومفاهيمه ، هذا العالم الذي أراد به قائد المسيرة الرياضية ان يضع الرياضة الفلسطينية على خارطة الرياضة الحقيقية ، الخارطة التي من خلالها يشار إلى فلسطين رياضة ودولة وقضية وثورة … فعالم الاحتراف الذي نعيشه اليوم في وطننا فلسطين ، يعتبر جديداً على الساحة الفلسطينية وحتى العربية مقارنة بالاحتراف العالمي.
والاحتراف بمفهومه الرياضي هو تفرغ المحترف تماما للعبة التي يمارسها وكأنه في وظيفة، وهي مصدر رزقه الوحيد، والاحتراف الرياضي الحقيقي يعني الولاء والانتماء للعبة والمؤسسة والفريق ، والالتزام بأخلاقياتها ، و التميز في العطاء والمثابرة ، والاستعداد للتطوير والتحسين ، و التفرغ التام ، وهذا يشمل اللاعبين و المدربين و الإداريين و أي جهة في محيط المؤسسة الرياضية ، و على كل هذه العناصر السعي وبذل الجهد في سبيل التطوير الذاتي والانضباط الشخصي مع الالتزام بالأدوار والمهام الخاصة بالمهنة الشخصية ، وعدم الانشغال عنها بأي وظيفة أخرى ،ومن هنا فإن الاحتراف الرياضي نجده يعتمد على عدة مبادئ أساسية ولازمة للنجاح ، أولها الرغبة الصادقة والأمينة في الاحتراف ثم الولاء الرياضي للجهة المحترف بها ويبدو ذلك في المصداقية والإخلاص في الأداء والسلوكيات الحميدة ويضاف لكل ذلك الرغبة الشخصية والطموح دائما لبذل المزيد من الجهد للتطوير والتأهيل الذاتي والاستفادة من كافة وسائل التعليم والتدريب والتقنيات والتكنولوجيا الحديثة لتحقيق التميز في الأداء.
ولا يقتصر مفهوم الاحتراف على اللاعب دون أطراف المنظومة الرياضية ، بل ان الاحتراف نفسه هو منظومة متكاملة ، فالإدارة هي الطرف الأهم في هذه المنظومة والتي تتحمل الجزء الأكبر لذلك ، حيث ان الاختيار السليم للعناصر الإدارية المشهود لها بالكفاءة والمعرفة والخبرة والقدرة على العطاء، يسهل وجودها كثيرا من مهمة الارتقاء بالعمل ، كما أن التفرغ وخاصة بالنسبة للإدارة التنفيذية ووجود منهاج وبرامج عمل واضحة المعالم للجميع ، وتكثيف المحاضرات والدورات التدريبية المختلفة ذات العلاقة واستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في العمل الرياضي، كل ذلك بلا شك سيساعد في الارتقاء بمستوى الأداء في كافة النواحي وذلك من خلال التنسيق الجيد بين جميع العناصر المحترفة في ظل توفير البيئة الداخلية الملائمة والجيدة للجميع، وهو ما يعزز من الدافع والحافز المعنوي والذي ستكون نتائجه حتما هي تحقيق الأهداف المرجوة في كافة الظروف .
والاحتراف يعني ان تكون المؤسسة الأم أو المظلة الحاضنة للعبة (الاتحاد) ان تكون محترفة في تعاملها و برامجها و شخوصها و حكامها و مراقبيها و مسيري عملها و تعامل موظفيها و تطبيق قوانينها وكل ما يتعلق بأمور اللعبة … ، فكما يقولون فاقد الشيء لا يعطيه . ولا أريد هنا ادعاء التنظير والفذلكة في الكلام بقدر الرغبة الجامحة في رؤيتي لمعشوقة الجماهير في بلادي ان تعانق السحاب تألقا ، خاصة في ظل وجود قيادة قوية وفاعلة ذللت الكثير من الصعاب أمام العمل الرياضي الفلسطيني عامة، وكرة القدم خاصة ، لان الاحتراف أصبح فكراً وتطبيقاً له ضوابط وشروط ولوائح وضعت من أجل النهوض بالرياضة والرياضيين، وتطبيق الاحتراف له إيجابيات كثيرة، تعود على الرياضة والرياضيين بالنفع مادياً ومعنوياً، وتكون سبباً في الارتقاء بالأداء والإبداع لدى اللاعبين، وتحقيق الإنجازات والبطولات والنجومية والشهرة في الملاعب الرياضية.
ولكي ينجح هذا الاحتراف، وتتحقق أهدافه على كافة المستويات، ينبغي وجود المشرفين واللجان المختصة والمسئولة عن نظام الاحتراف، وأن يكون لديها كفاءة عالية في تقديم الأفكار الجيدة والوعي الرياضي والتربوي الجيد الذي يطور الاحتراف، وتناقش المشاكل الرياضية بحوار هادئ، وتبحث عن الحلول المناسبة والناجحة التي ترضي الجميع، بعيدا عن المشاكل الرياضية التي تؤثر تأثيرا سلبيا على نفوس الرياضيين عامة، فينعكس ذلك على الرياضة، وأن تكون لجان لديها الوعي الرياضي في صناعة الاحتراف من خلال إصدار اللوائح والقوانين الجيدة وتطبيقها مثل: اللوائح الخاصة بعقود اللاعبين المحترفين ، وتنقلاتهم بين الأندية الأخرى ، وبيان نوع هذا الاحتراف وتذليل العقبات والصعوبات وحل المشاكل التي تواجه الفريق واللاعبين ، وتشجيع اللاعبين على هذا الاحتراف ، وتقديم الدعم المالي الملائم لهم، فإن هذا الاحتراف يكون سببا رئيسا في الإثارة والتنافس الرياضي الشريف بين اللاعبين، ويكون عاملا جيدا في تألق الكثير من النجوم والمواهب الرياضية التي عرفت الشهرة عن طريق العطاء والإبداع، فخدمت الرياضة وأمتعت الجماهير وذلك عندما وجدت الفرصة المناسبة. وإننا اليوم في عصر الاحتراف الرياضي نستطيع بجهود الشخصيات الرياضية الحكيمة لدينا، والكفاءات الجيدة أن نطور الاحتراف إلى الأفضل، ونضع اللوائح والأنظمة التي تخدم الرياضة في بلادنا الغالية، وينبغي علينا أن نعي مفهوم الاحتراف، وألا يقتصر الاحتراف على النظرة المادية فقط ما بين اللاعبين والأندية، لان هذه النظرة الضيقة ستنعكس سلبا على ازدهار الرياضة وأداء اللاعبين.
واعتقد ان النظرة المستقبلية للاحتراف يجب ان ترتكز على دفع عجلة التنمية الرياضية وتفعيل القوانين المتصلة بذلك وإضفاء الغطاء الاقتصادي من خلال تفعيل قوانين الاستثمارات المتعلقة بالرياضة وقوانين الخصخصة والمأسسة من حيث إعطاء الفرصة وتشجيع القطاع الخاص بأن يقود هذا المجال على وجه تنظيمي وأسس قانونية ، وبلا شك فإن الغطاء الاقتصادي للاحتراف الرياضي يدفع بعجلة التنمية الرياضية من خلال ما يحتويه هذا الغطاء من عمليات تجارية تنتجها الصفقات التي تتم بين الأندية الرياضية ، ناهيك عن توافر رؤوس الأموال مما يساعد على التطور الاقتصادي والمالي للمجال الرياضي، بالإضافة إلى ذلك فإن العقود التي تتم أيضا في الصفقات من خلال بيع وشراء اللاعبين والمدربين ونحو ذلك تضيف أبعادا أخرى للمجال الرياضي والمجال الاقتصادي وما يسري على هذه العقود من أنواع مختلفة كالتأمين والاحتكار وحقوق البث الإعلامي والدعاية والإعلان.
ورغم ان الاحتراف قد طبق في فلسطين قبل أكثر من موسم كروي ، الأمر الذي دفع الأندية للبحث عن قدرات رياضية جديدة من هنا وهناك . حيث ان هذا النظام الجديد أدى إلى جلب بعض اللاعبين لتدعّم صفوف فرقها، أو لتعقد صفقات تجارية رابحة كما يرى البعض ، أملاً في أن يؤدي ذلك إلى تطور نوعي لكرة القدم الفلسطينية .
ونتيجة للاحتياج المالي الكبير الذي أصبح متطلبا ضروريا لدى الأندية لتنفيذ هذا النظام ، بالتالي كان لا بد للتفكير في منافذ وأساليب جديدة لسد هذه الاحتياجات ، فأصبح سعي الأندية حثيثا لجذب أصحاب رؤوس الأموال لتمويل عملية الاحتراف، معتقدين ان الحل يكمن باستقطاب هؤلاء، علما أنها خطوة عملية من أصحاب الأموال في دعم الرياضة كمؤسسات مالية ، لكن دون ان يتنبه قادة العمل الرياضي في الأندية إلى المخاطر الكبيرة التي ستترتب على توقف هؤلاء الممولين عن الدفع لمختلف الأسباب وبأي لحظة يريدونها ، بالتالي فاعتقد ان الاعتماد على تمويل لحظي لن يحل المشكلة ، وهنا لا بد من الإمعان بالتفكير العملي في الولوج إلى عالم المؤسسة الرياضية التي تقنع المموِّل والمموَّل ، بالتالي سنضمن التدفق المالي وديمومة العمل .
وتدفع الأندية في جلب اللاعب أو المدرب الخارجي الأموال الطائلة له، بهدف الوصول إلى البطولة، وتجاوزت المبالغ المدفوعة عشرات الآلاف للاعب الواحد. بغض النظر أحياناً عن المستوى الفني له والذي اتضح انه مستوى متواضع في غالبه ، بل جاء على حساب المواهب والكادر الرياضي المحلي ، حيث فضلت الأندية اللاعب الجاهز دون الاهتمام بتطوير وتجهيز اللاعب المحلي وهو ما اعتبره بسبب عدم التخطيط العلمي والمبرمج للنهوض بأداء اللاعب المحلي من خلال الدعم والاهتمام والرعاية ، فاللاعب المستورد- ان جاز التعبير – سيبقى هدفه مادياً وخارج إطار المنتخبات الوطنية. بينما المحلي سينخرط بتمثيل الوطن عبر منتخباته للمشاركة في البطولات والدورات الرياضية التي من خلالها يقاس تطور الألعاب الرياضية فنياً. بعبارة أخرى انه لا يوجد فائدة فنية من وراء هدر الأموال من اجل استقدام اللاعبين الذين لا يمثلون المنتخبات الوطنية خاصة إذا كان مستواهم الفني كما أسلفنا دون المستوى المطلوب، وهنا فيجب ان نعترف بسقوط المقولة التي تقول بأنه في ظل نظام الاحتراف فقط يمكن التطوير ورفع مستوى الأداء الرياضي حيث ان الدليل ماثلا أمامنا بتدني أو عدم تطور مستوى الأداء لدى منتخباتنا الوطنية على الأقل كما نريده كشارع رياضي يمني النفس برؤية منتخب بلاده يصول ويجول في الملاعب والمحافل الرياضية الرسمية .
ولكن قبل ان نسهب في تحميل المحترف عبء النتائج المتدنية أو المتذبذبة التي نراها ، يجب ان نقف هنا لحظة ونراجع أنفسنا كمؤسسات طبقت الاحتراف ، فحتى يكون الاحتراف على أصوله يجب ان نأخذ بكل أسباب نجاحه ، بالتالي اعتقد ان الأندية منوط بها مهام جسيمة حتى نشير لها بالاحتراف ، وهنا دعونا نطرح السؤال الذي مفاده : أي من أنديتنا المحترفة التي تطبق نظام التفرغ الكامل للاعب المحترف ، بمعنى انه بما ان اللاعب قد سجل اسمه ضمن قائمة الاحتراف فهذا يعني انه سيكون تحت تصرف النادي على مدار الساعة ، ولم لا فهو يتقاضى راتبا شهريا ، وهذا ما اعنيه بالتفرغ ، وهنا يظهر لدي سؤال آخر وهو : هل يعني تفرغ اللاعب المحترف فقط النوم في مدينة النادي ويبقى طوال اليوم بلا عمل حتى يأتي موعد التدريب ، ثم يعود إلى روتينه حتى موعد التدريب التالي ، أم ان هناك مهمات يجب ان يقوم بها اللاعب ، والتي في اعتقادي أنها مكملة ومتممة لعملية التدريب ومهمة أيضا ، فحتى يكون اللاعب منصهرا في فكرة الاحتراف ، هناك نواقص يجب ان يكملها في مهنته، والتي منها ان يكون هناك برامج ثقافية وميدانية واجتماعية ترسخ هذه الفكرة ، لان الاحتراف ليس لعب الكرة وراتب شهري مالي ، بل هو سلوك وممارسة ومهنية عالية ، بمعنى لِمَ لا يصاحب التدريب البدني والفني محاضرات تختص بعالم اللعبة التي يلعب ، تعلم فن اللعبة ، تعلم مبادئ التدريب ليتفاعل مع المدرب بشكل اكبر ، محاضرات في العلوم الإنسانية التي لها صلة بنفسية اللاعب وسلوكه وتدريبه على تحمل الضغط في المباراة سواء جو المباراة أو الضغط الجماهيري ،وأيضا محاضرات في الإسعاف الأولي ، حتى محاضرات في التعامل مع الخبر الرياضي وتقبله ، كل ذلك وغيره يجعل من اللاعب المحترف أنموذجا يؤدي رسالة رياضية نقية وجميله ، ولتطبيق ذلك لا بد من تضافر الجهود بين الأندية والمؤسسات المعنية ذات الصلة في تطبيق وتنفيذ هذه المحاضرات .
وهنا أتساءل هل لاعبينا الذين نسميهم محترفين يعلمون أنهم محترفين، أم ان السواد الأعظم منهم يجهل ابسط مبادئ الاحتراف وتسببوا في كثير من المشاكل لعدم تفهمهم لقوانين الاحتراف، ولا أتجنى لو قلت أنهم حتى الآن لم يعرفوا الفرق بين اللاعب الهاوي واللاعب المحترف، فلم يضف لهم الاحتراف سوى ارتفاع في رواتبهم أما غير ذلك فهم بعيدين اشد البعد عن الاحتراف وقواعده الصارمة، فظاهرة السهر والتواجد في ملاعب الحواري بشكل منتظم وإثارة المشاكل في الملاعب وتكدس البطاقات الملونة في سجلهم ، وأسلوب تعاملهم غير المهني وغير المحترف سواء مع زملائه اللاعبين أو اللاعب المنافس في المباريات ، وتصريحهم عبر وسائل الإعلام أو صفحات التواصل الاجتماعي ، وغيرها الكثير من صفات لا تمت للاحتراف بصله هي صفه ملازمه للاعبين سواء قبل الاحتراف أو بعده ، ولا أنسى الجمهور الرياضي الذي لازال يطالب بشطر معين من الاحتراف وهو استقطاب اللاعبين المميزين لإرضاء غروره المتمثل في متعة المشاهدة من جهة وتعصبه لفريقه الذي يشجعه ويعشقه بل ويخرق كل القوانين من اجل تشجيعه ، كل هذه الأمور تدل على ان الاحتراف لدينا لا زال بحاجة إلى العمل الكثير والجاد حتى نصل إلى مفهوم الاحتراف بشكله الحقيقي أما الآن فأقولها صراحة أننا لا زلنا هواة مغلفين بغلاف الاحتراف .
وفي النهاية اعتقد ومن وجهة نظري الخاصة التي قد تصيب أو تخطيء ، انه إذا كان غير ذلك فاعتقد ان الاحتراف محكوم عليه بالانحسار في أنديتنا ومؤسساتنا الرياضية ، وهنا يبقى الرافد الأول والأخير هو ما تنجبه أنديتنا من موارد وإمكانات بشرية واعدة لتنهض لنا برياضة وإنجاز ووفق رعاية خاصة ومنظمة من قبل الدولة ، عن طريق آليات مرسومة مسبقاً تتلخص بـ:
1. رعاية الخامات الرياضية الموهوبة وتهيئة مستلزمات وإنجاح عملية الإعداد لهم ، واعتقد ان أكاديمية بلاتر وبعض المحاولات للمدارس الكروية تترجم فكرتي هذه ..
2. الاهتمام بالرياضيين بتأمين مستواهم المعيشي وضمان ذلك بعد اعتزالهم ، من خلال احتوائهم سواء في العمل الإداري أو الفني كالتدريب أو التدريس في هذه المدارس للإفادة من خبراتهم .
3. إعادة هيبة الرياضة وفق أسس منهجية رصينة ، من خلال ترسيخ فكرة الانتماء للألوان الوطنية ، وترسيخ فكرة السفارة للاعب وتمثيل بلاده خير تمثيل ، وليس للمشاركة السياحية .
4. بناء مؤسسات رياضية ذات مواصفات عالمية تلبي طموحات اللاعبين والمدربين.
5. وضع آلية لتنظيم عملية الاحتراف بما يكفل الحفاظ على مستوى اللاعبين وتطور ذلك نحو الأحسن ومراعاة أجور العقود بما يتناسب مع الأوضاع المالية والإدارية للأندية .
6. دعوة الأكاديميين والمتخصصين لرسم سياسة رياضة شاملة بعيدة عن الارتجال تستند إلى المقومات الفعلية والمنطقية في تطوير أسس وأساليب الرياضة.
من أجل تحقيق رياضة إنجازيه واعدة تتوفر لها عوامل النجاح من بنى تحتية ارتكازية ومستلزمات مالية تتوافق مع حجم ومسؤولية فلسطين كدولة ناشئة.