2024-11-24

جمال محمود لديه المزيد ….القطاع الخاص مقصر .الإعداد الجيد مفتاح المستقبل

2021-03-04

بال جول – كتب: إبراهيم ربايعة

يقال أن البقاء بالقمة هو التحدي الأصعب ، وهذا ما يضاعف المسؤولية على صانع القرار الرياضي ومنفذه في الملعب أو على جانب خط التماس، حكاية المالديف كانت فعلاً النهائي الحلم والنتيجة الطبيعية لسنوات من العرق والتعب والجهد على كافة مستويات ومكونات الأسرة الرياضية ، ورغم أن الكثيرين وأنا منهم لم نرفع سقف توقعاتنا لهذه النسخة في ظل ما شاب عملية التحضير من عقبات وصعوبات، إلا أن أحداً لم يتنكر لحقيقة أن الفدائي قادر على قلب الطاولة بعامل الروح والعزيمة.

حكاية التحدي…صفحة وانطوت

لقد برز اسم فلسطين كضيف ثقيل ودائم على كأس التحدي، واشتم الجميع رائحة خطوة منتخبنا الوطني منذ النسخة الأولى في العام 2006 حين جاء فتى الكرة الفلسطينية الذهبي فهد عتال هدافاً لها بواقع ثمانية أهداف أهلته ليحتل صدارة هدافي العالم متفوقاً على الألماني كلوزه والمصري عماد متعب إلى حين ، لينهي العام بالمركز السابع على سلم الترتيب. ورغم ذلك فخبرة المنتخب الضعيفة بالمنتخبات المشاركة وأجواء البطولة ووضع البطولات الوطنية المجمدة قادت كعوامل مجمعة للخروج من البطولة والاعتذار عن نسخة 2008، ومع انطلاق مرحلة إعادة التكوين للكرة الفلسطينية لم يكن لفلسطين نصيب في بطولتي 2010 و2012.

لكن وبكل الأحوال فإن الفدائي كان دوماً مرشحاً من قبل الآخرين للظفر باللقب رغم الظروف الصعبة ، ومع استمرار المشاركات لبطل البطولة بنهائيها آسيا فإن أستراليا أصبحت الآن حافزاً مهماً للتقدم والتطور وتقديم الأفضل .

في الحالة الفلسطينية وكما يجمع المراقبون فإن وصول الفدائي لنهائيات آسيا يتطلب عدم العودة للخلف والقتال من أجل الحفاظ على الفدائي بمواقع متقدمة، وهذا يعني تحقيق نتائج إيجابية في لقاءات ودية ورسمية قادمة من اجل التقدم على سلم تصنيف المنتخبات الآسيوية، أي أن التحدي كان مرحلة إعداد للقادم من إنجاز ، واليوم لن يقبل أحد بالنظر إلى الخلف والعودة.

للنصر ألف أب

بدأ الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع سواء كان رياضياً أو غير رياضي بالتغني بهذا الإنجاز التاريخي، وانطلق الجميع يتغنى بالفدائي بعد أن غاب لحين عن اهتمامهم ، أما الشارع فقد اشتعل بروح المنتخب وازدانت وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات وصور ومقاطع فيديو تتغنى بالإنجاز.

وخلال السنوات الماضية ، كان الدعم للرياضة الفلسطينية محدوداً على المستوى الشعبي تحديداً ، ولربما كان الحديث عن مباراة أحد الأندية تفوق الاهتمام بالمنتخب وظروفه ، ورغم المساندة الرسمية لجهود الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم برئاسة جنرال الرياضة العربية  اللواء جبريل الرجوب، إلا أن العقبات على أرض الواقع كانت أكبر بكثير، ففي كل دول العالم تواجه المنتخبات صعوبات مادية أو ربما إدارية ، ولكن في فلسطين فإن إنجاز مباراة على مستوى الدوري المحلي تعد إنجازاً إعجازياً في بعض الأحيان لما يقف بين الفريقين من عوائق احتلالية.

المطلوب من كل من يتبنى ويتغنى بإنجاز المنتخب ان يستمر بالدعم والمساندة لتقديم وجه مشرق بالمغامرة الأسترالية ، تكلفة الاستعداد لاستراليا ستكون بكل تأكيد باهظة والترتيبات لن تكون سهلة، ولن يكون من العدل تحميل الاتحاد أو حتى الجانب الرسمي الفلسطيني منفرداً تكلفة إنجاز يعبر عن الوطن كاملاً.

الاستقرار الفني واجب وليس خيار

جدل طويل دار سابقاً حول مؤهلات الجهاز الفني وعلى رأسه الكابتن جمال محمود ، بل وطالب الكثيرون بإزاحة محمود عن دفة قيادة المنتخب لصالح مدير فني أكثر خبرة ودراية ، ولكن الاتحاد انتصر للاستقرار الفني على حساب الخبرة وهذا ما آتى أكله ، جمال محمود الشاب الذي ولج باب التدريب الدولي عبر بوابة الفدائي في أول تجربة له اختلف كثيراً عن جمال محمود الذي قاد الفدائي لحصد لقب التحدي، خلال هذه الفترة أثبت محمود أنه مثابر ومقاتل وصاحب صبر وجلد استطاع تطوير قدراته الفنية ليقود المنتخب من حالة العشوائية إلى رسم شخصية على أرض الملعب.

وجهة النظر التي كانت سائدة قبل كأس التحدي قامت على إعطاء محمود الفرصة الأخيرة ورحيله لصالح مدير فني يقود مرحلة جديدة ، ولكن اليوم ولنشوة النصر فإن الجميع يقف خلف محمود ، المطلوب الإبقاء على هذا المدير الفني الوطني الذي استطاع كسب ثقة اللاعبين كأخ وصديق وقائد ، والمطلوب أيضاً منحه الفرصة إلى جانب طاقمه المساند بتطوير قدراتهم الفنية من خلال تدريبات سريعة ومكثفة في بعض الدول الصديقة والتي لدينا اتفاقيات مشتركة معها كألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، فمعايشة تدريبات المنتخبات والأندية العملاقة هي من ستصقل التجربة وستمنح محمود وطاقمه القدرة على مقارعة الكبار بكل ثقة ، ولا ضير من وجود مستشار عربي محنك للمنتخبات يقدم النصح لمحمود ورجاله كما الاتحاد ويساهم بوضع خطط الإعداد.

الاستقرار يطال أيضاً أعمدة المنتخب المتجانس وعدم الاعتراض على خيارات المدير الفني أياً كانت ، فرغم ما أحدثت التشكيلة من جدل حول مستوى بعض اللاعبين إلا أن أداء الفريق بالمجمل ساهم بقطف ثمرة تجانس وانسجام وتفاهم، لكن يبقى على منتخبنا تطعيم مقوماته بعناصر احتراف أكثر تمتلك الشخصية أمام المنتخبات الصعبة .

الإعداد وما بعد الفرحة

ستبدأ رحلة الإعداد الشاقة بمرحلة ما بعد الفرحة مباشرة، هذه الرحلة ستمر بمراحل أكثر احترافية وانسجام ، قبل البطولة وفي لقاء مباشر مع إحدى الفضائيات أعرب عدد من اللاعبين أمثال الكابتن رمزي صالح وعبد اللطيف البهداري عن عدم رضاهم عن فترة الإعداد التي شابتها صعوبات جمة ، كما أعلن محمود عن استعداده لتحمل كامل مسؤولية النتائج فيما ذهب فتحي أبو العلا إلى أبعد من ذلك بإعلانه عن تشكيل لجنة تحقيق للبحث في ملابسات الإخفاق بإخراج برنامج إعداد يليق بالمنتخب.

اليوم وبعد الانتصار لن يكون المناسب طرح لجنة تحقيق ، كما أنه لن يكون إيجابياً إغفال الإخفاق بترتيب الوديات والمعسكرات الخارجية، يجب استخلاص العبر والوقوف على أي خلل يطال إعداد المنتخب لآسيا لأن الخطأ محظور في قادم المناسبات، ومن المناسب البدء بترتيب جدول وديات المنتخب القادمة وفق أيام الفيفا ، فمقابلة اليابان تتطلب ودية أمام دولة تصنف في ذات الخانة والمدرسة الكروية الآسيوي السريعة ، وليس أفضل من كوريا الجنوبية والصين إعداداً لهذه الموقعة ،فيما مواجهة العراق تحتاج لوديات خليجية تشمل السعودية والإمارات .

الإعداد الجيد سيمنح الفدائي فرصة جيدة لتحقيق الذات ، فالأردن والعراق منتخبات بالمتناول كما اليابان التي ستكون بمرحلة إعادة تكوين بعد كأس العالم كما اعتدنا عليها. قد يعتقد البعض أن هذا الكلام ضرب من الخيال لكن سوريا في منافسات 2011 أثبتت أن كرة القدم لا تعترف إلا بالأداء ، فقد تسلح نسور قاسيون بذات سلاحنا وهو العزيمة والروح القتالية ليهزموا السعودية قبل الخسارة التي رافقها سوء حظ أمام اليابان بهدفين لهدف في لقاء شهد اللون الأحمر بمناسبتين توزعتا على طرفي الملعب.

القادم سيبدأ في أستراليا لكن الإعداد الجيد أن النهاية السعيدة ستكون بالتواجد في كأس العالم القطري وهذا ما اعتبرته طموح مشفوع بالإعداد والاستعداد، ومع دوران عجلة  دورينا الاحترافي بدأت الثمار تنضج في أحضان المنتخبات الأولمبي والأول.

الأولمبي …رافد لا يجب أن ينضب

الشخصية القتالية على أرض الملعب لم تقتصر على الفدائي الكبير، فقد لحظ الجميع تغيرنا نوعياً وإيجابياً بشكل ومردود الفدائي الأولمبي، وهذا ما يجب أن يبنى عليه من خلال الإعداد القوية لهذا المنتخب أيضاً كونه الرافد الأكبر للأول من خلال إعداد اللاعب الشاب للعب بأجواء دولية وكسر حاجز الخروج من المحلية وتسويق اللاعب من أجل الاحتراف العربي والخليجي تحديداً .

الأولمبي يمتاز بسهولة تكوين وتغيير ثقافة اللاعب المشارك ورصد اللاعب القابل للتحول إلى الأول خاصة في ظل وجود مدير فني مميز وصاحب تجربة ومعرفة نفتخر بإمكاناته على المستوى الآسيوي ، فمن المناسب أيضاً خلق انسجام في برامج الإعداد بين المنتخبين ربما من خلال معسكرات مشتركة تزيد من حافز لاعب الأولمبي وخبرته.

احتياج هائل وقطاع خاص صامت

مع كل إنجاز رياضي أو فني يتهافت القطاع الخاص بشكل مكثف على محاولة استثمار هذا الإنجاز تجارياً وتسويقياً، وهذا ليس نقيصة أو عيباً ، لكن أن يغفل القطاع الخاص دوره في دعم الإبداع الوطني فهذا هو الخطأ بعينه ، وحتى الآن لا يوجد دور فاعل للقطاع الخاص باستثناء جوال الراعي الاول للرياضة الفلسطينية ، وبنك فلسطين صاحب الدور المميز برعاية المواهب الناشئة. المطلوب إعادة تنظيم العلاقة مع القطاع الخاص وإعادة صياغة المفاهيم ، فدعم الرياضة ليس منه أو فضيلة لرأس المال ، بل هو واجب يقع ضمن برنامجين سائدين دولياً : الأول المسؤولية الاجتماعية والثاني شراكة القطاع الخاص والعام، وما نحتاجه فلسطينياً قانون عصري ينظم هاتين العلاقتين ، فلا يعقل أن 49 شركة مدرجة على قوائم سوق فلسطين للأوراق المالية تمتلك رؤوس أموال وإمكانات كبيرة لا تعير الرياضة الفلسطيني أدنى اهتمام .

قطاعات كبيرة ومهمة تغيب عن دعم الرياضة بشكل واضح ،لعل من أبرزها قطاع الصناعات الدوائية وهو قطاع مدر للربع بشكل كبير ويمتلك امتداداً دولياً من خلال التصدير وإنشاء المصانع في دول أوروبية ، و من شأن دعم هذا القطاع خلق فارق واضح بإمكانات الكرة الفلسطينية وقدرتها على الاستعداد.

الإطار التنفيذي يمكن أن يكون صندوقاً قومياً للرياضة يقوم على آليات واضحة وبناءة تستند إلى مبدأ المكافأة والإنجاز بالمشاركة ، وهذا ما كتبت عنه سابقاً وسأوليه اهتماماً بحثياً في قادم الأيام.

في الختام

كل الركائز التي شاركت في إنجاز المالديف تستحق الإشادة والدعم المستمر ، لكن المطلوب أن يكون إنجاز أستراليا قائم على مشاركة مجتمعية كاملة، الانتصار يرسم الابتسامة ، وهي عملة فلسطينية ثمينة ونادرة تولد من رحم الألم ، والفوز الفلسطيني عبارة عن أمل وغد مشرق للطفل والشيخ والأسير والجريح والأم المناضلة الصابرة ، كرة القدم هنا حكاية شعب ورحلة تحرر تدرس لكل العالم كقصة نجاح في الدبلوماسية الناعمة.